وصية الزهراء
وصية فاطمة مرضت فاطمة مرضا شديدا ، ومكثت أربعين ليلة في مرضها ، فلما نعيت إليها نفسها قالت لعلي : يا بن عم ، أنه قد نعيت إلي نفسي ، وأنني لا أرى ما بي إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة ، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي . قال لها علي : أوصي بما أحببت يا بنت رسول الله فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ، ثم قالت : يا بن عم ، ما عهدتني كاذبة ، ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني . فقال : معاذ الله ، أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله ، من أن أوبخك بمخالفة ، وقد عز علي مفارقتك وفقدك إلا أنه أمر لا بد منه ، والله جددت علي مصيبة رسول الله ، وقد عظمت وفاتك وفقدك ، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها ، هذه والله مصيبة لا عزاء لها ، ورزية لا خلف لها ، ثم بكيا جميعا ساعة .
لخصت فاطمة في هذا الحوار حياتها الزوجية في هذه العبارات ، فذكرت الأمير بإخلاصها وطهارتها وإطاعتها لزوجها . وشكر لها الإمام وفاءها ، وأثنى على طهارتها وقدسيتها ومعاناتها وتقواها ، وأبدى لها حبة ووده وتعلقه بها . وهاجت بهما الذكريات وجاشت الخواطر وتذكرا حياتهما السعيدة التي غمرتها الغبطة والدفئ ، والوقوف جنبا إلى جنب في مواجهة الأحداث والمشاكل وتذليل الصعاب ، فانهمرت لذلك عيناهما بالدموع ، لعلها تطفئ نار القلب التي تقضي على الجسد . وبعد أن بكيا ساعة أخذ علي رأسها وضمها إلى صدره ثم قال : أوصيني بما شئت ، فإنك تجديني فيها أمضي كما أمرتيني به ، وأختار أمرك على أمري . ثم قالت : جزاك الله عني خير الجزاء ، وأوصته بوصاياها ، وهي :
1 - يا بن عم ، أوصيك أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة ، فإنها تكون لولدي مثلي ، فإن الرجال لا بد لهم من النساء .
2 - إن أنت تزوجت امرأة فاجعل لها يوما وليلة واجعل لأولادي يوما وليلة ، يا أبا الحسن لا تصح في وجوههم فيصبحا يتيمين غريبين.
3 - أوصيك يا بن عم ، أن تتخذ لي نعشا ، فقد رأيت الملائكة صوروا صورته ، فقال لها : صفية لي . . فوصفته ، فاتخذه لها .
4 - أوصت لأزواج النبي لكل واحدة منهن اثنتي عشرة أوقية .
5 - ولنساء بني هاشم مثل ذلك .
6 - وأوصت لأمامة بنت أبي العاص بشئ .
وكانت لها وصية مكتوبة جاء فيها : " هذا ما أوصت فاطمة بنت رسول الله بحوائطها السبع ، ذي الحسنى والساقية ، والدلال ، والغراف ، والرقمة ، والهيثم ، ومال أم إبراهيم ، إلى علي بن أبي طالب ، ومن بعده فإلى الحسن ، فإلى الحسين ، ومن بعد الحسين فإلى الأكبر فالأكبر من ولده ، شهد الله على ذلك وكفى به شهيدا ، وشهد المقداد ابن الأسود ، والزبير بن العوام ، وكتب علي بن أبي طالب .
وروى ابن عباس وصية مكتوبة أخرى لها جاء فيها : " بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله أوصت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن الجنة حق ، والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، يا علي : أنا فاطمة بنت محمد ، زوجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة ، أنت أولى بي من غيري ، حنطني وغسلني وكفني بالليل وصل علي وادفني بالليل ولا تعلم أحدا ، وأستودعك الله وأقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة " .
لحظات عمرها الأخيرة ثقل عليها المرض ، والإمام لا يفارقها ، وأسماء تمرضها ، والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم عندها ، وهي تفيق مرة ويغشى عليها أخرى من شدة المرض ، وتجيل بصرها في أولادها . . يقول الإمام علي : إنها لما حضرتها الوفاة فتحت عينيها وقالت : السلام عليك يا جبريل ، السلام عليك يا رسول الله ، اللهم احشرني مع رسولك ، اللهم اسكني جنتك وفي جوارك . ثم قالت : هؤلاء ملائكة ربي ، جبريل ورسول الله حاضرون عندي ، وأبي يقول : القدوم إلينا يقول علي : فلما كانت الليلة التي أراد الله أن يكرمها ويقبضها إليه أخذت تقول : وعليكم السلام . يا بن عم ، هذا جبريل أتاني مسلما ، وقال : السلام يقرئك السلام يا حبيبة حبيب الله وثمرة فؤاده - اليوم تلحقين بالرفيق الأعلى وجنة المأوى ثم انصرف عني . ثم أخذت تقول : وعليكم السلام ، وتقول : يا بن عم ، هذا ميكائيل يقول كقول صاحبه ثم أخذت ثالثا تقول : وعليك السلام ، ثم فتحت عينيها شديدا وقالت : يا بن عم هذا والله الحق ، عزرائيل نشر جناحه في المشرق والمغرب ، وقد وصفه لي أبي وهذه صفته . ثم قالت : يا قابض الأرواح عجل بي ولا تعذبني ، ثم قالت : إليك ربي لا إلى النار ، ثم غمضت عينيها ، ومدت يديها ورجليها ، وكأنها لم تكن حية قط . أبكني إن بكيت يا خير هادي * وأسبل الدمع فهو يوم الفراق يا قرين البتول أوصيك بالنسل * فقد أصبحنا حليف اشتياق أبكني وابك لليتامى ولا تنسى * قتيل العدى بطف العراق فارقوا فأصبحوا حيارى * يخلف الله فهو يوم الفراق وروي عن أسماء أن فاطمة لما حضرتها الوفاة قالت لأسماء : إن جبريل أتى النبي - لما حضرته الوفاة - بكافور من الجنة فقسمه أثلاثا ، ثلثا لنفسه ، وثلثا لعلي ، وثلثا لي ، وكان أربعين درهما ، فقالت يا أسماء آتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا وضعيه عند رأسي ، فوضعته ثم قالت يا أسماء أتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا وضعيه عند رأسي ، فوضعته ثم قالت لأسماء حين توضأت وضوءها للصلاة ، هاتي طيبي الذي أتطيب به ، وهاتي ثيابي التي أصلي فيها ، فتوضأت ثم تسجت بثوبها ، ثم قالت : انتظريني هنيئة وادعيني ، فإن أجبتك وإلا فاعلمي أني قدمت على أبي فأرسلني إلى علي . فانتظرت هنيئة ثم نادتها ، فم تجبها ، فكشف الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الدنيا ، فوقعت عليها تقبلها ، فبينا هي كذلك إذ دخل الحسن والحسين فقالا لها : يا أسماء ما ينيم أمنا في هذه الساعة ، قالت : يا ابني رسول الله . ليست أمكما نائمة ، قد فارقت الدنيا ، فوقع عليها الحسن يقبلها مرة ويقول : يا أماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني ، وأقبل الحسين يقبل رجلها ويقول : أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن يتصدع قلبي فأموت . قالت لهما أسماء : يا ابني رسول الله ، انطلقا إلى أبيكما علي فأخبراه بموت أمكما ، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء فقالا : قد ماتت أمنا فاطمة فوقع علي على وجهه يقول : بمن العزاء يا بنت محمد ، كنت بك أتعزى فبمن العزاء من بعدك ؟ .
[center]